سألت عمر طاهر الذي قدم كتاب صناعية مصر .. لماذا ركزت في كتابك عن صناعة القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين ..
لماذا لم تتناول الصنايعية المعاصرون مثل نادر رياض ومحمد فريد خميس ومحمود العربي وآل السويدي وغيرهم ممن سجلوا علامات فارقة في تاريخ الصناعة المصرية المعاصرة ..
أجاب حاولت أن أسجل بإنصاف تاريخ الرجال ، الذين لم ينصفهم أحد . تحدثت عن أحمد عبود باشا ، وفرغلي باشا وسيد ياسين ومخترع كولونيا ٥٥٥ وسجاير كليوباترا شيكولاته كورونا وأنيس عبيد وعلوي الجزار … قدمت ٣٠ شخصية أحدثوا تغييرا ثقافيا واجتماعيا في مصر ، ونسيناهم أو تناسيناهم .. بفعل التسطيح الثقافي للأجيال ..
بالتأكيد سوف أكتب عن الجيل الثاني من الصناعيين الذين أقاموا قلاعا صناعي نباهي بها الزمن .
ولو كان لي حق البدء بالجزء الثاني من صنايعية مصر سوف أختار للبداية نادر رياض ، وأنشودة بافاريا الصناعية .. بمناسبة اليوبيل الذهبي للشركة .. أو كما يقول المؤسس خمسون عاما من النجاح .
بافاريا علمتنا فنون مكافحة الحريق علي كل المستويات ، من المساكن الي السيارات ، الي المباني الصناعية والخدمية ، الي السيارات والقطارات والطائرات والسفن ..
إنها صناعة لمواجهة كل مخاطر الصناعة ..
لم يكتفي الصنايعي نادر رياض بهذا النوع من الإنتاج ، بل أضاف فروعا أخري منها منتجات البيئة الخضراء ، والأبواب المصفحة .. وقسم خاص للابتكارات الصناعية والحياتية . ربما تتحول الي أول شركة مصرية للإبتكارات . وعلي محرك البحث جوجول تستطيع أن تتعرف علي عدد براءات الاختراع التي سجلتها بافاريا داخل مصر وخارجها . وربما العائدات من كل براءة إختراع .
سألت الدكتور نادر رياض ذات مرة : لماذا أخترت هذا التخصص ..
أجاب : دعنا نتوقف عند لحظة فارقة عام ١٩٧١ ..
هذا العام شهد حريقا مروعا ، نشب اظافرة في دار الأوبرا القديمة . وأتت النيران علي الأوبرا من كل الاتجاهات . لم يتمكن أحد من إنقاذ شئ .
لم يكن حريقا عاديا ، بل حريقا في التاريخ والجغرافيا . كانت مصر أول بلد في العالم الثالث لديها أوبرا عمرها ١٠٠ عام . وفي لحظة واحدة أختفت تجليات التباهي بالمجد والشرف ..
المشهد الحزين الهمني بالعمل في مكافحة الحريق ..
ومن هنا بدأت بافاريا ..
وتذكرت علي الفور ، مشهد حريق لا يقل ضراوة عن حريق الأوبرا . وقع الحادث في مطار القاهرة . طائرة أوكرانية تعرضت للحريق . وهددت أرواح الركاب ، كما هددت الطائرات المجاورة لها . وكادت تصيب المطار ذاته بكارثة .
كان هذا إختبار بالغ التحدي لأجهزة بافاريا ومنتجاتها المتقدمة .
ونجحت بافاريا في مواجهة التحدي الخطير خلال وقت قياسي .. وتلقت بافاريا عشرات الإشادات من المسؤولين المصريين والأجانب . كما نشرت صحف أجنبيه متعددة تحقيقات واسعة ، وتضمن التوثيق الصحفي اعترافات واضحة بقدراته شركة بافاريا .
سألته ذات مرة لماذا تلجأ الي تنويع منتجاتك علي النحو الذي نراه ..
أجاب : أنا أقيم مؤسسة تتعامل مع الزمن . وكلما تقدم الزمن ، كلما توالدت إحتياجات جديدة للمجتمع .. ولو تأملت مفردات المنتجات التي نقدمها ، فإنها تتجمع في نسق واحد ، حماية الحياة البشرية ..
حمايته من الحريق . حمايته من أضرار البيئة . حمايته من الاعتداء ..
وربما نقدم منتجات أخري علي ذات النسق الإنتاجي .
التغير ضرورة . وإلا هرسنا الزمن وثوراته التكنولوجية ..
بهذا المنظور نجحت أنشودة بافاريا في مواجهة اعتي الأزمات التي واجهها الآقتصاد المصري .
نشأت بافاريا عام ١٩٧٢ ، قبل حرب أكتوبر العظيمة ..
ورغم كل الضيق الاقتصادي ، فلا عملات حرة لاستيراد مكونات الإنتاج ، ولا سوق منظمة لتوزيع المنتجات ، ولا بنية أساسية لسوق إقتصادية حرة ..
تجاوزت بافاريا العقد الأول بنجاح ، وأضافت الي بنيتها الأساسية قسم خاص ، لإحلال الواردات الخارجية ، بمنتجات محلية ..
في العقد الثاني من عمر الشركة واجهت هجمات متعددة من الواردات الأجنبية ، سيئة الصنع ، وسيئة الأخلاق أيضا .. وانتصرت . وأكدت معني لا يصح إلا الصحيح ..
في العقد الثالث من عمر الشركة واجهت مصر أزمات مالية معقدة مثل أزمة المتعثرين ، وقيود إقتصادية أشد تعقيدا ، وتغلبت عليها بنفس الإرادة والرؤية .. تعميق الصناعة الوطنية ، وتخفيض الإعتماد علي الواردات الاجنبيه ..
وفي العقد الرابع سجلت بافاريا جون صاروخي في شبكة الصناعة الألمانية . أشترت شركة بافاريا الام في المانيا . وسجلت انتصارا آخر في مجال الصادرات الصناعية المصرية الي المانيا . وتجاوزت مشاكل عالمية مرعبة ، مثل الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٨، وانكشاف كل الدول ماليا ، وإداريا .
وبدا العقد الخامس بثورة ٢٥ يناير في مصر ، وتأثيرها المباشر علي قواعد الإنتاج والعلاقات الصناعية ، وما لحق بها من تطورات سياسية ، واضطرابات ، لم تستقر إلا بعد ثورة ٣٠ يونيو .
شركة بافاريا لم تتنازل يوما عن النجاح ، رغم كل الصعوبات ، المحلية والإقليمية والدولية .. لأن قائدها صنايعي من طراز فريد . لا يعرف إلا النجاح ..
منقول من جريدة البشاير - لمشاهدة الخبر : انقر هنا